النص السردي - العربية جدع مشترك آداب وعلوم إنسانية
- مرسلة بواسطة : Mars
- في : يوليو 26, 2025
📘 النص السردي – مدخل مفاهيمي
🔶 تقديم عام
يُعد الحكي من أقدم الوسائل التي استخدمها الإنسان للتعبير عن أفكاره وتجارب حياته. ويشكل "السرد" الأسلوب الفني الذي يتم من خلاله تقديم الحكاية أو القصة إلى القارئ، إذ تتدخل عدة عناصر في تكوينه، مثل الأحداث، الشخصيات، الزمن، المكان، والراوي. وقد تطور مفهوم السرد من مجرد وسيلة لتقديم قصة إلى أداة تحليلية ونقدية لفهم النصوص الأدبية بكل أنواعها. لذلك، فإن فهم السرد يُعد مدخلًا أساسيًا لفهم النصوص الأدبية السردية كالرواية، القصة القصيرة، السيرة الذاتية، وحتى بعض النصوص التاريخية.
🟥 مفهوم السرد
السرد هو الطريقة التي يتم بها نقل الأحداث والشخصيات في النص إلى القارئ. فكل قصة تحتوي على مجموعة من الأحداث، لكن لا يكفي سردها بشكل عشوائي، بل لا بد من وجود من ينقلها – وهو السارد – بأسلوب معين، وفق رؤية وتدرج زمني معينين.
ويقوم السرد على دعامتين رئيسيتين:
- القصة (المضمون): وهي الأحداث، الشخصيات، الزمان والمكان.
- الخطاب (الطريقة): وهي الكيفية التي يتم بها تقديم القصة، أي طريقة السرد وزاوية النظر.
🟩 وظائف السارد
يلعب السارد دورًا محوريًا في النص السردي، إذ لا يقتصر دوره على رواية الأحداث فقط، بل يؤدي وظائف متعددة منها:
- الوظيفة السردية: وهي الوظيفة الأساسية، حيث يحكي السارد مجريات القصة ويسرد الوقائع وينقل لنا أفعال الشخصيات.
- الوظيفة التفسيرية: يقدم السارد من خلالها توضيحات أو تعليقات على بعض الأحداث أو التصرفات.
- الوظيفة الإيديولوجية: يعبر السارد أحيانًا عن مواقفه الفكرية أو السياسية أو الأخلاقية.
- الوظيفة التنظيمية: يقوم بتنظيم الأحداث من خلال ترتيبها وربطها ببعضها البعض.
🟩 طرائق السرد
تُستخدم في النصوص السردية ثلاث طرائق أساسية، تختلف حسب موقع السارد ومعرفته بالشخصيات والأحداث:
- الرؤية من الخلف: يُعرف السارد كل شيء عن القصة، شخصياتها، ماضيها، مستقبلها. يسمى "الراوي العليم".
- الرؤية مع: يتبنى السارد منظور شخصية واحدة، يعرف ما تعرفه فقط، ولا يتجاوز وعيها.
- الرؤية من الخارج: يكتفي السارد بوصف ما يراه ويسمعه من الخارج، دون التوغل في أفكار الشخصيات.
🟨 أشكال السرد
تختلف أشكال السرد حسب التنظيم الزمني للأحداث، ومن أبرزها:
- السرد التسلسلي: تقديم الأحداث بترتيبها الطبيعي كما وقعت.
- السرد الاسترجاعي: الرجوع إلى الماضي لسرد أحداث سابقة (فلاش باك).
- السرد الاستباقي: تقديم لمحة عن حدث سيقع لاحقًا.
- السرد المتقطع: سرد غير متسلسل يعتمد على تقنيات متداخلة كالأحلام، الرسائل، المذكرات...
🟫 أنواع السرد
تتنوع النصوص السردية من حيث الطول والبنية والغرض، ويمكن تصنيفها إلى:
- الرواية: أطول الأجناس السردية، تُعالج قضايا متعددة اجتماعية، سياسية، نفسية...
- القصة القصيرة: تركز على لحظة أو حدث أو شخصية واحدة غالبًا.
- السيرة الذاتية: يروي فيها الكاتب حياته الخاصة، مع التركيز على التجارب الشخصية.
- الحكاية الشعبية: قصص شفوية تراثية تتضمن عناصر خيالية وأخلاقية.
🟩 مكونات النص السردي
يتكون النص السردي من مجموعة من العناصر التي تتفاعل فيما بينها لتقديم الحكاية بطريقة فنية مشوقة:
- الشخصيات: هي العناصر الفاعلة في النص، قد تكون رئيسية أو ثانوية، حقيقية أو خيالية.
- الزمان: يتحدد من خلال تعاقب الأحداث، وقد يكون زمناً خطياً أو دائرياً.
- المكان: هو الإطار الذي تجري فيه الأحداث، وقد يكون مفتوحًا أو مغلقًا، حقيقيًا أو متخيلاً.
- الحدث: يشير إلى ما يقع داخل القصة من أفعال وتحولات.
- الحبكة: هي الطريقة التي تُرتب بها الأحداث داخل النص.
🟫 وظائف السرد في النصوص
لا يقتصر السرد على الوظيفة الفنية، بل يلعب أدوارًا متعددة في النص:
- نقل القيم: كثير من النصوص السردية تحمل رسائل أخلاقية أو اجتماعية.
- الإقناع والتأثير: يستخدم السرد أحيانًا لتوجيه المتلقي أو التأثير في مواقفه.
- المتعة والتسلية: هدف جوهري في معظم القصص والروايات.
🔚 خاتمة
إن فهم مكونات النص السردي وخصائصه يمثل مدخلًا أساسيًا لتحليل النصوص الأدبية والتفاعل معها. فالسرد ليس مجرد وسيلة لنقل الأحداث، بل هو بناء فني معقد يجمع بين الحكي والتأويل، ويعكس رؤية الكاتب للعالم. وتظل دراسة السارد وزاوية النظر وأشكال التقديم من بين أهم العناصر التي تتيح فهمًا أعمق للنصوص السردية وتقديرًا أكبر لقيمتها الأدبية والفكرية.