📖 قرآن الفجر


📌 النص الاستدلالي

كنت في العاشرة من عمري، وقد جمعت القرآن كله حفظًا، وجودةً بأحكام القراءة، وكان من عادة أبي رحمه الله أن يعتكف في أحد المساجد طيلة الأيام العشر الأواخر من شهر رمضان، فإذا دخل المسجد فلا يخرج إلا ليلة عيد الفطر، فيغتسل ويغادره، ثم لا يدي من الناس إلى ذلك اليوم. فكان دخول المسجد يدعوه القوة السامية، والمضيئة في ركوعها وخضوعها، وفي الساجدة بين يدي ربها لتبـتـدر معاني الجلال.

وما حكمة هذه الأماكن التي تقام فيها العبادة لله؟ إنها أمكنة قائمة في الحياة، تنقّي القلب البشري في نزاع الدنيا الذي في إنسان، لا في بهيمة...

ذهبت معه في بيت في المسجد، فلما كان في فجر آخر الليل أيقظني للصحو، ثم أمرني فتوضأت لصلاة الفجر، وأقبل هو على القبلة، يتنفلون الصلاة، ويجلسون ينتظرون إقامة الصلاة، وكانت المساجد في ذلك العهد هادئة، وبقناديل الزيت، في كنديل زيتي، يضفي النور على فلك شبكي كان بعض معاني الضوء في نفسه. فكانت هذه القناديل، والظلام يرحج بجوانبها توحي كأنها شقوق مضيئة في الجدران، لا تكتشف إلا أسرارًا جميلة.

ثم بدت بالفجر، ثم بدت الدقائق حتى اختلط أول الظلام بأول الضوء، صعودًا بإذن الله، كان الملائكة قد هبطت تحمل سحابة رقيقة، تمسح بها كل قلب، لينقهر من نفسه، ويشرق من غفلته.

لا أنسى أبدًا تلك الساعة، وقد انطلق في جو المسجد صوت غرد رقيق، وهو يتلو: ﴿ادعُ إلى سبيل ربك بالحكمة والموعظة الحسنة﴾ [النحل: 125]، فلو أن صوتًا من أصوات الدنيا كلها قيس بتأثيره في أجل ما يتصرف فيه الفقيه وهو يوجه في أعماقه، ويدع في الضمير، فما يقدر عليه إلا التليل فطرة طبيعية، يشابهها، فاهتزت بها جواهرها، وسكنت جمال التغريد، وكأنما روح الشجرة يتناولها ماء ويمكثها ماء. وبدا الفجر كأنه واقف، يستأذن الله من هذا الدور.

وكنا نسمع قرآن الفجر، كأنما صبغت الدنيا التي في الخارج، وتنظّر بباطنها، فلم يبق على الأرض سوى الإنسانية الطاهرة، ومكان هو ذلك الطفل الذي كان في موضعه. كأنما دُعي ليحمل هذه الرسالة، وتهديها إلى الرجل الذي يجيء فيه من بعد؛ فإذا في كل الحالات والدعاء متجهًا لهذا السارد: ﴿ادعُ إلى سبيل ربك بالحكمة والموعظة الحسنة﴾ [النحل: 125]، وفي كل طاقة وضرع خاشعة للصوت: ﴿واصبر وما صبرك إلا بالله﴾ [النحل: 127].

✍️ مصطفى صادق الرافعي – وحي القلم


🪪 بطاقة التعريف بالكاتب: مصطفى صادق الرافعي

  • ولد بمصر سنة 1880.
  • حفظ القرآن الكريم وهو دون سنّ العاشرة.
  • تأخر في دخول المدرسة، فلم يلجها إلا بعد تجاوزه العاشرة من عمره بسنة أو سنتين.
  • بدأ عادة الدروس الابتدائية في سن 17.
  • فقد حاسة السمع في الثلاثين من عمره.
  • لم يمنعه بلاؤه فتابع على التعلم والاجتهاد دون كلل أو ملل.

📚 أعماله ومؤلفاته:

  • تحت راية القرآن
  • حديث القمر
  • وحي القلم
  • تاريخ الأدب العربي
  • رسائل الأحزان
  • السحاب الأحمر
  • أوراق الورد
  • إعجاز القرآن والبلاغة النبوية

🔍 ملاحظة النص واستكشافه

  • العنوان: يتكون من كلمتين، تركيب إضافي، ويتبع المجال الإسلامي.
  • بداية النص: مؤشرات ذاتية (شخصيات، ضمير المتكلم، أفعال...): نص سردي ذاتي.
  • نهاية النص: تحول الضمائر من المفرد إلى الجمع، مما يدل على تعدد الشخصيات.
  • نوعية النص: مقطع من سيرة ذاتية ذات طابع ديني.

📖 فهم النص

  • الإيضاح اللغوي:
    • يعتكف: يقيم بالمكان قصد العبادة.
    • يتنفل: يصلي نوافل.
    • يؤرقه: يقلقه ويزعجه.
    • ينقهر من نفسه: يخضع ويتأثر.
  • الفكرة المحورية: تذكر الكاتب ليلة من طفولته قضاها في المسجد وتأثير القرآن عليه.

🧠 تحليل النص

  • أحداث النص بوصفه سيرة ذاتية:
    • الذكريات الروحانية في المسجد.
    • لحظة الفجر وتأثيرها النفسي والعاطفي.
    • جمالية صوت القرآن وصدى الرسالة في نفسه.
    • تحول التجربة إلى نهج حياة.

🧍‍♂️ الشخصيات والزمان والمكان:

  • الشخصيات: السارد – الأب – مرتل القرآن – الناس.
  • الزمان: الفجر – الليل – العشر الأواخر – ليلة العيد.
  • المكان: المسجد.

🌾 الحقول الدلالية:

  • الدين: القرآن، السجود، العبادة، الصلاة...
  • الطبيعة: الليل، الضوء، الفجر، الشجرة، التغريد...

📌 الدلالة:

استعمل السارد ألفاظًا ذات طابع ديني وطبيعي للتعبير عن قدسية اللحظة.

🧩 التركيب والتقويم:

النص مقطع من سيرة ذاتية تحمل قيمة إسلامية حول أهمية المسجد والقرآن في الطفولة، وتأثيره الإيجابي على تكوين الشخصية.

والدليل على هذه القيمة هو قول السارد: «أما الطفل الذي كان في يومه؛ فكأنما دُعي بكل ذلك ليحمل هذه الرسالة، وتهديها إلى الرجل الذي يجيء فيه من بعد.»

مشاركة

With

إرسال تعليق