مفهوم الشخص: (المحور الثاني - قيمة الشخص)

درس الفلسفة: قيمة الشخص



I- الإشكالية

غالبًا ما نضع الشخص في تقابل مع الأشياء، نظراً لما يتمتع به من خصائص مثل الفكر، الوعي، الإرادة، الحرية، والمسؤولية. هذا التمييز يوضح أن للشخص قيمة تجعله ذاتًا مرغوبة وتمنحه أهمية تميزه عن باقي الموجودات.


لكن الواقع يكشف أن الشخص يُنظر إليه أحيانًا كوسيلة أو سلعة تُباع وتُشترى، وهو ما يتعارض مع القيمة الأخلاقية الحقيقية للشخص.


هذا التعارض يدفعنا للتساؤل عن:


ما القيمة الحقيقية للشخص وما أساسها؟

هل الشخص غاية في ذاته أم مجرد وسيلة؟

هل قيمته مطلقة أم نسبية؟

ما الذي يميّز الإنسان عن باقي الموجودات؟

هل القيمة تنبع من ما هو داخلي ذاتي أم خارجي موضوعي؟

هل العقل هو مصدر القيمة أم الانفتاح على الآخرين أو استشعار الوجود؟

II- الموقف الفلسفي 1 : إيمانويل كانط

1-2/ النص الفلسفي

الشخص غاية في ذاته


يوجد الإنسان، وبوجه عام كل كائن عاقل بوصفه غاية في ذاته، وليس مجرد وسيلة يمكن أن تستخدمها هذه الإرادة أو تلك وفق هواها. ففي جميع هذه الأفعال، كما في تلك التي تخص ذاته والتي تخص الكائنات العاقلة الأخرى، يجب دائماً اعتباره غاية في ذات الوقت. إن جميع موضوعات الميول ليس لها إلا قيمة مشروطة، ذلك لأنه لو كانت الميول والحاجات المشتقة منها غير موجودة لكان موضوعها بدون قيمة. لكن الميول ذاتها، بوصفها مصادر للحاجة، لها قدر قليل من القيمة المطلقة التي تمنحها الحق في أن تكون مرغوبة لذاتها، وأكثر من ذلك، ينبغي على كل كائن عاقل أن يجعل أمنيته الكلية هي التحرر التام منها. ومن هنا فقيمة جميع الموضوعات التي نكتسبها بفعلنا هي دائماً قيمة مشروطة. فالموجودات التي يعتمد وجودها، والحق يقال لا على إرادتنا، بل على الطبيعة مادامت موجودات محرومة من العقل، ليس لها مع ذلك إلا قيمة نسبية، قيمة الوسائل، وهذا هو السبب الذي من أجله يدعوها المرء أشياء؛ بينما الموجودات العاقلة تدعى أشخاصاً، ذلك أن طبيعتها تدل عليها من قبل بوصفها غايات في ذاتها، أعني شيئاً لا يمكن استخدامه ببساطة كوسيلة، شيء يحد بالتالي من كل قدرة على التصرف حسب هوانا وهو موضوع احترامنا... على ذلك، فإذا كان لابد للعقل من مبدأ عملي أسمى، كما لا بد للإرادة الإنسانية من أمر مطلق، فإن هذا المبدأ يلزم أن يكون بحيث يكون بالضرورة عند تمثل ما هو غاية في ذاته، غاية لكل إنسان فهو يشكل مبدأ موضوعياً للإرادة، ويمكن بالتالي أن يكون بمثابة قانون عملي كلي وأساس هذا المبدأ هو التالي: إن الطبيعة العاقلة توجد كغاية في ذاتها.


(إيمانويل كانط، أسس ميتافيزيقا الأخلاق)


2-2/ الأسئلة

ما الموضوع الرئيسي الذي يعالجه كانط في النص؟

ما السؤال الفلسفي الذي يحاول كانط الإجابة عليه؟

كيف يبني كانط أطروحته؟ (تفكيك النص، وظيفة الروابط المنطقية)

هل أطروحة كانط تثبت موقفًا سابقًا، تعرض موقفًا خاصًا، أم تنتقد موقفًا مغايرًا؟

هل تظل أطروحة كانط صالحة ومعاصرة؟ ولماذا؟

كيف يمكن تقييم حجج كانط من حيث تطابقها مع العقل أو الواقع أو العلم؟

3-2/ التصور الفلسفي

يعتبر كانط أن قيمة الشخص تنبع من ذاته لأنه الكائن الوحيد الذي يمتلك العقل الأخلاقي. هذا العقل هو ما يجعل كل شخص يستحق أن يُعامل كغاية في ذاته وليس مجرد وسيلة. فالشخص يمتلك قيمة مطلقة وغير مشروطة، بعكس الأشياء الأخرى التي تستمد قيمتها من فائدتها أو صلاحيتها، وهي قيمة نسبية ومشروطة.


III- الموقف الفلسفي 2 : جورج غوسدورف

1-3/ النص الفلسفي

استقلالية الشخص


إن فكرة استقلال الذات المفكرة والشخص الأخلاقي، كما تمت صياغتهما من طرف الفلاسفة، لم تتحقق في الفكر الإنساني إلا في وقت متأخر. فهي نقطة وصول لمسار طويل في التعلم وتحقيق النموذج الذي ينبغي على الإنسان أن يتوجه إليه بجهده. لكن، لا ينبغي أن ننسى أن تجربة الاستقلال والعزلة لا تشكلان الواقعة الأولى في الوجود، كما عاشها الناس فعلياً. فالادعاءات الإيديولوجية حول الإنسان لا يمكن أن تنكر أشكال التضامن البسيطة والأساسية التي سمحت لتلك التنظيمات بالبقاء، وللفكر أن يتشكل على أرض بشر أحياء. لهذا فإن أخلاقاً ملموسة هي التي ينبغي أن تحدد الجهد المبذول لأجل الكمال الشخصي، ليس فقط في مجال الوجود الفردي، ولكن أيضاً وأولاً في مجال التعايش وداخل المجموعة البشرية. يعتقد "الفرد" أنه إمبراطور داخل إمبراطورية، فيضع نفسه في مقابل العالم ويتعارض مع الآخرين، بحيث يتصور نفسه كبداية مطلقة. وعلى العكس من ذلك، يدرك الشخص الأخلاقي أنه لا يوجد إلا بالمشاركة فيقبل الوجود النسبي، ويتخلى عن الاستكفاء الوهمي. إنه ينفتح بذاته على الكون، ويستقبل الغير. لقد فهم الشخص الأخلاقي أن الغنى الحقيقي لا يوجد في التحيز والتملك المنغلق، ولكن يوجد في وجود يكتمل ويتلقى بقدر ما يعطي ويمنح.


(جورج غوسدورف، مقالة في الوجود الأخلاقي)


2-3/ الأسئلة

ما الموضوع الرئيسي الذي يعالجه غوسدورف؟

ما السؤال الذي يحاول غوسدورف الإجابة عليه؟

كيف يبني غوسدورف أطروحته؟ (تفكيك النص ووظيفة الروابط المنطقية)

هل موقفه إثبات، عرض، أم نقد لموقف سابق؟

ما المفاهيم الأساسية في النص؟ وكيف رتبها لبناء أطروحته؟

3-3/ التصور الفلسفي

يختلف غوسدورف عن كانط فيرى أن قيمة الشخص لا تكمن في استقلاليته واكتفائه الذاتي، بل في التحرر من الوهم الفردي والانفتاح على الآخرين. فالشخص يحقق ذاته بالاندماج والمشاركة والتضامن مع الغير، ونبذ الانغلاق والتعصب. العالم ليس فضاءً للذات وحدها، بل فضاء مشترك لتلاقي الذوات، والذات الحقيقية هي تشاركية لا انعزالية.


IV- الموقف الفلسفي 3 : إمانويل مونييه

1-4/ النص الفلسفي

الشخص ليس شيئاً بين الأشياء


يصوّر مونييه الشخص ككيان يتميز بالإرادة والوعي والتجاوز، بخلاف الأشياء التي هي كائنات متطابقة كليًا مع ذاتها. وهو يكتسب باستمرار سمات شخصيته ويغنيها عبر عملية التشخصن. فالشخص ليس معطى نهائيًا جاهزًا، بل هو عملية اكتساب ومراكمة مستمرة لسماته الخاصة. الشخصية ليست موضوعًا، بل هي مالا يمكن في أي إنسان أن يعامل بوصفه موضوعًا. إنها تجربة غنية منغرسة في العالم تعبر عن نفسها بواسطة إبداع لا يتوقف. إنها نشاط معيش أساسه الإبداع الذاتي والتواصل والانخراط، يحيط بذاته ويتعرف عليها داخل فعله باعتبار هذا النشاط حركة شخصنة.


(إيمانويل مونييه، الشخصانية)


2-4/ الأسئلة

ما الموضوع الرئيسي الذي يعالجه مونييه؟

ما السؤال الذي يجيب عليه؟

كيف يبني مونييه أطروحته؟

هل موقفه إثبات، عرض، أم نقد لمواقف سابقة؟

ما المفاهيم الأساسية في النص؟ وكيف يستخدمها لبناء أطروحته؟

كيف يمكن مقارنة أطروحته مع كانط وغوسدورف؟

3-4/ التصور الفلسفي

يرى مونييه أن الشخصية نشاط حي، يعتمد على الإبداع الذاتي والتواصل والانخراط. الشخص ليس كيانًا ثابتًا بل هو عملية دائمة من التشخصن، يتعرف فيها على ذاته ويغنيها عبر الفعل والتجربة.


V- التركيب

إن الشخص، بوصفه ذاتًا واعية وعاقلة، هو مصدر كل القيم الأخلاقية، ويستحق كل احترام وتقدير، لذا يجب أن نعامله دائمًا باعتباره غاية في ذاته، لا كوسيلة.


لكن الشخص الأخلاقي لا يحقق ذاته بالعزلة والانغلاق، بل يتحقق بالانخراط في جماعته والمشاركة في تجسيد القيم الأخلاقية العليا.


فهو يعطى بقدر ما يأخذ، وينفتح على الغير، ويؤسس ذاته من خلال التواصل والتجربة.

مشاركة

With

إرسال تعليق